All But Reality

Imagine a catchphrase here

Simple template. Background and Customization by Shihab Elagib. Powered by Blogger

September 22, 2015

الـfeedback، الثقافة الضائعة.

كَتَبْتَ مقالاً او منشوراً قصيراً على صفحتك الشخصية، مدونتك او موقعك، ثم ماذا؟ تنتظر الاعجابات واعادة النشر؟ تنتظر تعليقات الشكر والاعجاب والدعوة بالتقدم والتطور؟ ام فقط ترغب ان يقفز عداد المشاهدات الى المئات والألاف؟ ربما جميعها، ربما احدها. لكنها جميعاً امورٌ عديمة القيمة امام اهم صور الfeedback: النقد.

انها احدى اهم الميزات التي يحملها الانترنت، كونه منصة عملاقة لإبداء الرآي، لكن قلما تجد من يستخدمها -من بين المتحدثين بالعربية عموماً والسودانيين منهم على وجه الخصوص- لهذا الغرض. او على الاقل، من يستخدمها لإنتقاد ما يكتب وينشر في مختلف اركان هذه الشبكة.

ربما لا تكون مساوية في الكمية لتلك المكتوبة بلغات اخرى كالإنجليزية، لكن المحتوى العربي من مقالات اخبارية ونقدية وغيرها -وحتى تلك المقدمة بصور اخرى عدا المكتوبة كالصوتية والمرئية- موجود، حتى في مجالٍ يعتبره الكثيرون حكراً على الغرب كمجالات التكنولوجيا المختلفة. ان بحثت قليلاً في شبكات اجتماعية كالفيسبوك ستجد صفحات ومجموعات سودانية تهتم بالتقنية الاستهلاكية او الاحترافية، وان بحثت في اليوتيوب ستجد قنواتٍ سودانية تعرض حديث التقنية وقديمها (وان كنت شخصياً لا علم لي الا بواحدة، قناة تنكولوجيا)، وليس بالغريب او النادر ان تجد مجموعة من الشباب السوداني اجتمعوا لينشؤا موقعاً للأخبار التقنية، وليس من النادر ايضاً ان تجد مهندس شبكات او محترفاً في مجال البرمجيات او امن المعلومات (او حتى مجرد هاوي بدون اي خلفية اكاديمية عن الموضوع مثل شخصي البسيط) سوداني الجنسية يكتب مقالات نقدية وشروحات ومراجعات في مدونته الشخصية. على قلتها، المحتوى السوداني التقني موجود!

لكن المجتمع السايبري السوداني يعاني من مشكلة كبيرة -وربما تكون قاتلة- عندما يتعلق الامر بخلق محتوى رقمي في مواضيع مثل التكنولوجيا، لا، لا اقصد السرقة الفكرية، على الرغم من كونها مشكلة تحتاج لعلاج ايضاً، لكن اقصد انعدام ردود فعلٍ بناءة لهذا المحتوى.
خذ اي عينة عشوائية لمنشور على الفيسبوك مثلاً، ما هي الردود الغالبة التي ستجدها على هذا المنشور؟ الكثير من الاعجابات؟ ماذا عن التعليقات؟ اغلب الظن انك ستجدها مزيجاً من عبارات الشكر والثناء، او الاعجاب او الدعوات. لكن ما لن تجده غالباً هو انتقاد لمضمون ذاك المنشور نفسه!

لعل في هذا اشارة لخصلة اخرى تجدها في عموم الناس، اننا نرى الـ"انتقاد" عموماً كعيب، كإهانة. العديد من الناس ينظرون للتصحيح والتنبيه كهجوم شخصي عوضاً عن محاولة لتحسين المطروح. حاول فقط ان توضح لأحدهم ان الفكرة المبنية عليها ذاك المقال الذي كتبه تحتوى خطأاً فادحاً يتمثل في كذا وكذا، ان كان حظك جيداً فستخرج بـ"لايك" وجملة شكر بسيطاً، ان كان حظك جيداً للغاية فستدخل في نقاشٍ بنّاء مع صاحب المنشور يدافع فيه عن فكرته، لكن ما سيحدث في كثيرٍ من الاحيان ان يحس صاحب المنشور بالإهانة او يأتي احدهم ويتهمك بالـ"سلبية" ومحاربة انجازات الغير. 

هذا -طبعاً- بإفتراض وجود من يحاول ان ينتقد منشوراً تقنياً ما (ووجود المنشور نفسه، but I digress). نحن لا ننتقد! ربما لأن القليل منا يمتلك ما يكفي من المعرفة في الموضوع تحت السؤال ليكون رأياً مخالفاً او يلاحظ خطاءاً ما. الوعي التقني العام في السودان ضعيف جداً، لا اعتقد انه يوجد خلاف في هذا الامر. لذا عندما تجد احدهم يكتب عن الخصوصية السبرانية لقارئ لا يفقه حتى لأهمية صلاحيات التطبيقات التي يستخدمها في هاتفه الذكي، ليس من الغريب ان تجد قليلاً من الاعتراض والانتقاد.

ربما لإنعدام "الشجاعة الادبية" (والذي ربما يبرر قلة المحتوى اصلاً). فحتى ان كنا نملك الرآي، كما منا يفكر في محاولة صياغته ونشره رداً على مقال فلانٍ الذي ينتقد فيه برنامجاً نعتقد انه الأفضل؟ 

 او ربما للكسل (ايضاً من مبررات قلة المحتوى)، ليس الكسل فقط عن الرد لفكرة او رآي ما، بل الكسل عن محاولة اكتساب المعرفة الكافية لهذا الرد! كثيراً ما قلت ان المستهلك السوداني لا يريد التعلم (وان كانت خصلة سيئة في عموم المستهلكين جميعهم، من طوكيو الى واشنطن). وحتى ذلك الـ"كاتب" في ذلك الموقع الذي يكتفي فقط بنسخ ما يكتبه الغير، جميعهم يكسل عن البحث والقراءة وحتى التفكير!

الساحة التقنية السودانية لا تزال في طور الطفولة، واغلب اولائك الذين يكتبون عن التكنولوجيا (وعن نفسي اتحدث قبل البقية) لا يزالون مبتدئين، سواءا ككتّاب او كمهتمين بهذا العالم. ان اؤمن تماماً ان رآيي قد يحتوى على الكثير من الاخطاء المنطقية، واؤمن ان نظرتي للعديد من الامور قد تكون قاصرة جداً. انا اعلم يقيناً ان استخدامي للغة العربية مدعاة للسخرية للكثيرين مِن مَن احترفوا الكتابة بها، وليس عندي ادنى شك ان ما اكتب بالكاد سيعود على بـ"حق الحكومة" ان كان مسطوراً على ورقة امتحان تعبيرٍ وإنشاء ما. اذاً، كيف لأحدٍ مثلي ان يتحسن ويتقدم ان لم يُنتقَد ويصحح؟ كيف لي ان اعلم ان فهمي لآلية عمل تلك التقنية خاطئة ان لم ينبهني احدهم لذلك؟ كيف لي ان اصحح رآيي عن فلسفة تطبيق تقني ما ان لم ادخل في جدالٍ محتدم مع احدٍ ذو رآي مخالف؟ 

هذه التدوينة هي العشرون(عشرين؟) التي انشرها في هذه المدونة، لكني لا اجد من الfeedback سوى القليل، القليل الذي لا يكفي حتى لمعرفة ان كنت على حقٍ فيما اكتب، ام  مجرد احمق اخر يعتقد نفسه عالماً في هذا الفضاء السايبري.