All But Reality

Imagine a catchphrase here

Simple template. Background and Customization by Shihab Elagib. Powered by Blogger

September 17, 2015

الاحصاء والرآي الأخر

ليس من المستبعد ان يكون قد مر عليك احدهم يذم اداة الكترونية ما -هاتف ذكياً، حاسباً محمولاً او غيرها- لأنه كان يملك تلك الاداة ولم تعمل معه بالصورة التي اعجبته. ربما كنت ايضاً من ما القى مثل هذا الرآي، و في هذا انت لست وحيداً، فالحكم على المنتجات عموماً -والالكترونية خصوصاً- من التجربة الشخصية قديم قدم السوق نفسه او اكثر. لا يعني بالضرورة ان هذا الحكم صحيح او حتى قريبٌ من الصحة.


اشتريت ذلك الهاتف الذكي من سامسونج وانت تمني نفسك بسرعة الاداء واريحية في الاستخدام، لكن بعد عدة اسابيع من عمره اصبح ذلك الهاتف بطيئاً، ثقيلاً، سريعُ فقط في انفاذ شحنة مدخرته. وفي اوج غضبك قررت انك لن تشتري هاتفاً مرة اخرى من سامسونج، بل واضفت على ذلك انك اصبحت تنصح الجميع بالإبتعاد عن منتجات هذه الشركة وتصفها بأنها الأسوأ وان اجهزتها لن تعيش سوى سويعات! 

ربما لم تكن تجربتك المماثلة مع سامسونج او مع هاتف ذكي حتى، ربما كانت مع سماعة او فأرة او لوحة مفاتيح من لوجيتيك او رايزور، ربما كانت مع جهاز حاسب لوحي من واوي او امازون، ربما كانت مع حاسب محمول من هيوليت باكارد او ايسر، ربما كانت مع حاسب مكتبي من ديل او لينوفو، او ربما كانت حتى مع مكون داخلي ما كمزود طاقة او لوحة ام او حتى معالج مركزي! 
وربما ايضاً كنت انساناً عقلانياً بالكامل و لم تعش هذه التجربة ابداً! (وان كنت اشك بوجود مثل هذه الفئة)

ما ينساه الكثير من الناس -والسواد الاعظم من مرتادي مواقع "مهووسي" التكنولوجيا عموما، والعربية خصوصاً- هو ان اي انتاج mass produced (اياً كان المرادف العربي للمصطلح) تأتي بدرجة لا يمكن التخلص منها من التلف. لا توجد عملية بكفاءة تساوي الوحدة، هذا امر مسلم به في جميع التخصصات الهندسية. فلا مفر من ان تكون نسبة من المخرجات تالفة او تحوي عطلاً ما. وحتى ان لم يكن هذا العطل من عملية التصنيع نفسها، فما بين المصنع والمستهلك اميال و ايام -ان لم تكن شهور- يمكن للكثير ان يحدث فيها. افترض حوادثاً تحصل اثناء التعبئة، افترضها اثناء النقل، اثناء التفريغ، اثناء الرص على الرفوف، او حتى اثناء عملية البيع والنقل الى المنزل او حتى اثناء التركيب! وما بالك بظروف التشغيل وكيفية الاستخدام وتأثيريهما على عمر الأجهزة!

ان الحكم على اعتمادية منتجات مصنِّع ما لا ينبغي ان تعمم فقط من تجربة شخصية، بل لذلك الغرض لا بد من اجراء دراسة احصائية حول معدلات تلف الاداة تحت السؤال، سواءاً ان كان بحثاً بسيط غير دقيق عبر محرك القوقل، او بالاعتماد على دراسة اجراها كيان متخصص في مثل هذه التحليلات الاحصائية. وحتى في هاتين الحالتين، لا ينبغي ان ينسى الفرد اقصاء العوامل الأخرى المؤثرة على الاعتمادية. فليس استخدامك للأجهزة كإستخدام جارك، وليست ظروف منطقتك كظروف احد اخر يستفسر عن جهاز ما في مجموعة ما على الفيسبوك!

لا انفي طبعاً ان التجربة الشخصية لها وزن في الحكم على بعض الأمور، ككفاءة المنتج في اداء وظيفة معينة او سهولة التعامل معه. لكن حتى الاراء في هذه الامور يجب اما ان يتم الوصول اليها عن طريقٍ يتبع -او حتى يحاول اتباع- طريقة علمية سوية، او ان تغلف بصورة واضحة على انها صحيحة مطلقاً فقط وفقط لصاحبها. فالسهولة والتعقيد -مثلاً- امرٌ نسبي، ما هو معقدً لأحدهم سهلً لأخر، لكن يمكن ايضاً ان يقوم احدهم بتجربة احصائية لمعرفة مدى سرعة فهم المستخدمين لواجهة برنامج ما. اما كفاءة المنتج -ان كنا نتحدث عن سرعته مثلاً- فتلك امورٌ انا شخصياً لا املك ان اقول لكل من يريد ان يبدي رآيه فيها: اما قم بتجربة صحيحة و "نظيفة" او رآيك خاطئ! ليس من المنطق ان يقوم صحافيو مؤسسات صحفية مثل Anandtech و ArsTechnica بالقيام بتجارب معقدة ومكثفة على الهاردوير السوفتوير، وتكرارها ما لا يقل عن ثلاث مرات ومن ثم تحليلها احصائياً، ليأتي احدهم ويفتي ان هذا النظام اسرع من ذاك فقط بعد تثبيته وتجربته له ل5 دقائق!

ما اريد قوله هو، ان اردتم الحديث عن منتجِ تصنَع منه الالاف والملايين، ارجوكم لا تحكموا علىه فقط من تجربتكم له، حاولوا البحث اولاً عن نسبة الفشل او عدم الكفاءة او اياً كان المقياس الذي لم يعجبكم فيه، فربما، بل غالباً ما ستكون تجربتكم مجرد حالة شاذة، احدى تلك الحالات الواقعة في هامش الخطأ المتواجد في اي عملية في هذه الدنيا. ليس بالضرورة ان تكون جميع وحدات تخزين ويسترن ديجيتال سيئة فقط لأن اثنين منهما ماتا في يدك، وليس بالضرورة ان تكون جميع مزودات كورسير رديئة الجودة فقط لأن احدها ادى لحرق جهازك.
اما ان اردتم فقط ابداء رأيكم فافعلوا ذلك دون تضليل الغير. ليس من الصواب قول ان جميع حواسيب Dell المحمولة سيئة لمن يسأل عن حاسب يشتريه فقط لأن اخر حاسب اشتريته منهم تعطل، حتى وان كنت موقناً انه رأيك شخصياً فقط، فالصياغ التي تذكر فيه رأيك هذا سيؤدي إلى أخذه كحقيقة مطلقة، وليس رأي.

ربما كان وجوب البحث والدراسة قبل ابداء الرآي امراً فيه الكثير من التزمت قديماً، لكن في زمن اصبح بين الفرد والمعرفة مجرد ضغطات عبر محرك قوقل، لا عذر للكسل قط!