All But Reality

Imagine a catchphrase here

Simple template. Background and Customization by Shihab Elagib. Powered by Blogger

September 05, 2015

أوفلاين

"نحن نعيش في عالم متصل دائماً"

او هكذا تسري تلك المقولة التي تردد دائماً -وان اختلفت الصيغ- في مقدمات الكشف عن الالكترونيات والبرمجيات في الاونة الاخيرة. سواء كان الحديث عن هاتف ذكي او نظام تشغيل، ستجد شخص يعتلي منصة ما يحاول اقناع المشاهدين بأن منتجه هو الأفضل لأنه مصمم لمستخدم لا يود ان تمر عليه لحظة دون ان يتلقى اشعاراً او تحديثاً جديداً من شبكة اجتماعية ما. الصراحة والحق يقال، في كثيرٍ من الأحيان، هو -او هي- على صواب!


لنأخذ حالتنا في السودان مثلاً، او بالأصح: حالتنا في الخرطوم (بما انها المنطقة الوحيدة التى تحظى بتغطية مكثفة نسبياً لخدمة الانترنت). كم منكم ليس من مستخدمي خدمة الـWhat'sApp في هاتفه الذكي؟ قد اضحى من النادر ان تجد هاتفاً ذكياً غير متصلٍ بالإنترنت في هذه الأيام. حتى مع تردي جودة الخدمات المتاحة. انسان العصر الحديث مدمنٌ للإنترنت، والسودانيون ليسوا شواذاً لهذه القاعدة، وبالتأكيد انا ايضاً لست بخارجٍ عن هذا التصنيف.

نعم، انا امتلك حساباً في الفيسبوك، وامتلك حساباً في قوقل بلس، وامتلك حساباً في تويتر، بل حتى اني امتلك حساباتٍ في شبكات غير منتشرة اخرى مثل Ello. وان اختلفت نسبة اهتمامي بكل واحدِ فيها، الا اني لا زلت اقضي الكثير من الوقت في واحدِ على الأقل منها. بل يمكنك القول انه لا تمر لحظة وحاسبي الشخصي يعمل من دون ان يكون احد هذه الحسابات مفتوحاً، سواء في الخلفية ام في المقدمة.

لكن هذا هو حدي، "اتصالي" بالشبكة محدود فقط لتلك اللحظات التي اكون فيها جالساً امام حاسبي الشخصي. إن قمت من امامه أصبح معزولاً عن العالم الافتراضي، ومتوفراً فقط في الحقيقي. حينئذِ تفقد تلك الـ"نوتيفيكشنات" و التنبيهات اهميتها، لأنها -في اخر المطاف- ليست بتلك الضرورية التي تستدعي المعالجة المباشرة. ما هي اهمية ان يعلق احدهم على صورة ما رفعتها؟ ما هي اهمية الـ"لايك"؟ ما هي اهمية الـ"فيفوريت" والـ"ريتويت"؟  

وحتى ان كان حاسبي الشخصي دائماً متصلاً بالشبكة، وحتى ان كان الفيسبوك او التويتر دائماً مفتوحاً في احد السنة متصفح الويب في الخلفية، ما الذي يدعوا لتصنيفي على ان شخصي متصلٌ دائماً؟ شخصي -او وعيي- كيان منفصل عن مجموعة الدوائر تلك التي نسميها حاسب شخصي. ذلك المنفذ الواصل بين هذا الحاسب والشبكة العنكبوتية مفتوحً دائماً لأنه لا خسارة لي في ذلك، ولأني -غالباً- ما أكون في منتصف عملية تحميل لمجموعة ما من الملفات، ليس لأني ارغب في ان تصلني تلك الإشعارات فورياً، ليس لأني ارغب في مشاركة صورة ما لإفطاري او ابلاغ العالم بمكان تواجدي!
ربما، ربما كان الفيسبوك مفتوحاً في تلك النافذة لأني لا أود ان افتحها مرة أخرى كلما رغبت في تصفحه. ربما ظلت مفتوحة لأن وجودها لا يستهلك سوى حفنة ميقابايتات من ذاكرة الجهاز وبضع دورات من المعالج. ربما ظلت مفتوحة لأن اغلاقها في حد نفسه يتطلب مجهوداً. لكن ليس بالضرورة لأني ارغب في ان اكون متصلاً دائما بتلك الشبكة!
كون ذلك اللسان مفتوحاً لا يعني اني "متصل". ربما كنت العب لعبة، او ربما كنت اصمم مجسماً، أشاهد فلماً، أقرأ مقالاً، ارسم خرطاً او اكتب تقريراً!

انا لا ارغب في ان اكون "متصلاً دائماً"، انا اريد ان اكون متصلاً في الوقت الذي اريد ،وللغرض الذي اريد. لا اريد لعملية او برنامج ما ان يتصل من دون ان اسمح له بذلك، واي برنامج يفعل ذلك ليس سوى برنامج خبيث. انا لا اريد ان لمتصفحي ان يتخاطب مع موقع من دون ان اكون قد امرته بذلك. انا لا اريد لنظامي ان يتخاطب مع خادم من دون ان اكون قد امرته بالإتصال به. انا لا اريد ان يرسل برنامجً بياناتٍ لعنوانٍ دون ان اكون قد امرته بإرسالها. 

انا ارفض بالكامل ان تؤخذ "عالمْ متصلً دائماً" كذريعة لقتل الخصوصية. انا ارفض ان يعتبر اتصال جهازي الدائم بالشبكة كموافقة على ان يرسل اي برنامج ما ويستقبل ما يشاء من المعلومات. انا رافضٌ الاعتماد على السحاب، وارفض ان اجبر الاعتماد عليه.

انا اوفلاين، وان كنت اتصفح الشبكات الاجتماعية. فقط لأني املك خيار ان اكون كذلك.
انا اوفلاين، وان كان حاسبي الشخصي متصلاً بالشبكة. فقط لأنه لا يستقبل او يرسل منها الا حينما أريد، لما أريد.
انا اوفلاين، وان كنت امتلك هاتفاً ذكياً. فقط لأني لا اوصله بالشبكة الا حينما اريد.
انا اوفلاين، وان كان العالم كله اونلاين.