All But Reality

Imagine a catchphrase here

Simple template. Background and Customization by Shihab Elagib. Powered by Blogger

July 26, 2015

البرايفاسي والسوداني

الخصوصية، الخصوصية، الخصوصية! اكبر شاغل لجموع مستخدمي الشبكة العنكبوتية في السنين الاواخر، واحدى اكبر المواضيع التي بلغ تأثيرها الساحة السياسية وسباقات الترشح لرئاسة الويلات المتحدة.  ذلك المصطلح الذي تراهن عليه اكبر شركات الخدمات عبر الانترنت، قائداً الكثير منها صوب ساحات المحاكم، والكثير الاخر نحو الشهرة كمدافعين عن حقوق المستخدمين وحامين لحرمة معلوماتهم.



إن فهم ماهية الخصوصية كحق -ووواجب- يتطلب ان يكون المجتمع المستفيد منها ذو وعي كافِ بالأساسيات التي تبنى عليها هذه المفاهيم. ولا اقصد فقط ان يكون المجتمع مؤمناً بالمفاهيم البراقة مثل "السترة" و"العفة" وما شابهها. هذه القيم لا تعدو كونها مُثُلاً يوتوبية غالباً ما تؤدي لخلق حالة مرضية من الانغلاق والعزلة الاجتماعية ان وجدت في نفس البيئة مع مثل تلك الافكار الرجعية التي تتدعوا لمحاربة العلم والحداثة مطلقاً. لكن هذا ليس موضوع هذه المدونة، بل هو نظرة شخصية على الخصوصية (على الانترنت، بفهومها الحديث) في الوسط السوداني، ليس من ناحية اجتماعية، بل بصورة تحاول عكس التغيرات في الوسط التقني العالمي على المحيط المحلي.

لعل الحديث عن اهمية مفاهيم الخصوصية في حالتنا لا تعدو كونها مجرد إطناب، فالمجتمع السوداني مجتمع اسلامي محافظ (وان اختلفت بعض التفاصيل من مكان لأخر)، لكننا لا نزال نعاني من نقصٍ حاد في الوعي التقني اللازم لفرض هذه المفاهيم في العالم السايبري. فعلى الرغم من مضي اكثر من عقد من الزمان على انتشار الانترنت في السودان، ومثلها على استخدام الشبكات الاجتماعية، لا يزال وعي المستخدم الامني اليوم في نفس مستوياتها انذاك، وان تغيرت بعض الشكليات هنا وهناك.

النظرة العامة حالياً للخصوصية (بالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعي) لا تعدو سوى قانونين:
-ان لا تقوم فتاة بعرض صورتها -او اسمها- على حسابها.
-ان تغلِق حسابها من ان يظهر لباقي الحسابات على الشبكة.

هنالك مشكلتان رئيسيتان في مثل هذه النظرة: الأولى انها تعتبر ان الخصوصية امر يجب ان تهتم به الإناث فقط، متناسياً ان المعلومات لا تفرق بين الجنسين. انظر الى اي مستند رسمي او بطاقة هوية، ستجد ان عناوين المدخلات متاشبهة لكلا الجنسين.
المشكلة الثانية هي انها تفترض ان مجرد اخفاء البيانات على الحساب كافية لمنح المستخدم خصوصية مطلقة في الانترنت ككل. فقد يكون اغلاق الوصول للحساب من باقي الحسابات كافياً لجعله خفياً داخل الشبكة الاجتماعية، لكن ماذا عن خارجها؟
منذ بداية كبرى الشركات في هذا المجال اتاحة امكانية استخدام بيانات الحسابات للولوج الى -او اتاحة وظائف اضافية في- خدمات في مواقع اخرى او برامج من اطراف ثالثة (كحال واجهة برمجة تطبيقات منصة فيسبوك مثلاً) ازدادت كمية التطبيقات والخدمات التي تتيح (او تعتمد اعتماداً كلياً) على بيانات الحسابات في شبكات الفيسبوك وقووقل+ وغيرها في العمل. هذه التطبيقات ليست دائماً حسنة النية و\او واضعة لخصوصية المستخدمين في الاعتبار. فمثلما وجدت تطبيقات مثل خاصية استخدام بينات حساب الفيسبوك لإستخدام خدمات موقع Goodreads مثلاً، ستجد تلك التطبيقات الخبيثة التي تقوم بنشر محتويات غير مرغوب بها على صفحات المستخدمين. ما يتفق فيه كلا الجانبين هو انهما يتطلبان موافقة المستخدم للحصول على هذه الصلاحيات. ذلك المستخدم الذي يعتقد ان اخفائه لمعلومات حسابه داخل الشبكة تكفي لحمايته بالكامل من جميع الأخطار.

هذه المشكلة تتطلب الاشارة لمشكلة اخرى اكبر هي الكسل. شئنا ام ابينا، فإن ذلك الستيريوتايب الذي يصف السودانيين بالكسل ليس بعيداً عن الصحة (وان كان ليس بالضرورة حكراً علينا). فحتى اولائك الذين اختاروا تعديل اعدادات الخصوصية على حسابهم غالباً ما اكتفوا بذلك، متجاهلين بذلك التعديلات العديدة التي تمر على سياسات واعدادات الخصوصية لتلك الخدمات. تعديلات قد لا تكون دائماً في مصلحة خصوصية المستخدم. لكن لا يزال القليلون يهتمون بقراءة هذه التعديلات التي دائماً ما يعلن عنها مزودوا هذه الخدمات. ولتوضيح هذه النقطة، إسأل نفسك: ما هي اخر التعديلات التي اضافها التحديث الأخير لسياسة خصوصيات فيسبوك (او اياً كانت الخدمة الرئيسية التي تستخدمها)؟
دعك من خدمات التواصل الاجتماعي، ما هي اخر سياسة خصوصية او اتفاقية مستخدم نهائي (EULA) لأي خدمة او برنامج قرأتها؟

هذا الكسل (ومرة اخرى: هذا ليس عيباً حكراً على السودانيين فقط، لكنها عالة موجودة ومؤثرة. عشان ماف واحد يجيني ناطي -_-) لا يضر فقط بوعي المستخدم بسياسات الخصوصية للخدمات التي يستخدمها، بل تمتد للحماية من مخاطر الطرف الثالث الاخرى التي تهدد استخدامه لبرمجياته و عتاده. ولعل احدى اكثر الجوانب توضيحاً لهذه الإشكالية هي تطبيقات الهواتف الذكية -والاندرويد تحديداً.
نظام تشغيل الاندرويد يميل لتحديد صلاحيات البرمجيات التي تعمل عليه لجوانب محدودة لا يتخطاه. هذه الميزة قفزت بالأندرويد عدة خطوات امام الأنظمة التقليدية الأخرى (الويندوز) في جانب حماية المعلومات. فأي تطبيق يتم تثبيته على الجهاز لا بد ان يوافق المستخدم على اتاحة صلاحيات معينة في استخدام عتاد كالكاميرا او المايكروفون، او التحصل على معلومات في الجهاز كأرقام الهواتف او اسماء الحسابات المسجلة عليه. هذه الصلاحيات تعرض بصورة مبسطة -لكن لا تزال تحتفظ بحد ما من الدقة- ومختصرة للمستخدم لكي يراجعها ومن ثم يوافق على تثبيت البرنامج ان لم يكن لديه اعتراض عليها.
هذه الخاصية نعمة للكثير من المستخدمين المهتمين بحماية خصوصياتهم، فهي تعطي انطباعاً عن طريقة عمل البرنامج التي يتم تثبيته و -في كثير من الحالات- تكشف البرمجيات التي تهدد الخصوصية. لم قد تحتاج لعبة بسيطة صلاحيات الحصول على ارقام الهاتف المسجلة؟ لم يحتاج تطبيق تحويل الهاتف الى كشاف صلاحيات الإتصال بالانترنت (دون ان يكون مدعوماً بإعلانات)؟ قليل من المنطق السليم تكفي لحماية الفرد من كثيرِ من مهددات الخصوصية. قليل من المنطق السليم و استثمار عدة ثوان في قراءة الصلاحيات التي تطلبها تلك التطبيقات، لكن قلما تجد من يبذل مجهوداً في ذلك.

ان افترضنا عزيزي القارئ انك تحافظ على نظافة هاتفك من مثل هذه التطبيقات، جرب ان تلقي نظرة على هواتف غيرك. اطلب من زميلك ان تلقي نظرة على التطبيقات المثبتة على هاتفه. اطلبه من قريبك الذي يدع اطفاله اللعب بالهاتف، اطلبه من اخيك الصغير، بل اطلبه من اي فرد عشوائي تقابله. اغلب الظن انك ستجد ذلك الهاتف ممتلئاً بتلك التطبيقات والالعاب المثيرة للريبة. وما يزيد الطين بلة هي حالة الاعتماد على مصادر غير رسمية للحصول على التطبيقات ‍التي خلقها الحظر التجاري الأمريكي (المزيد في هذه النقطة لاحقاً) وادت تدريجياً الى تعطيل احدى اهم الخطوط الدفاعية في الهواتف الذكية: تكفل قوقل (وApple) بتنظيم نوافذها للتحصل على التطبيقات وتنظيفها من تلك التي تهدد امن وخصوصية المستخدم (لحدود).

تجاهل السياسات والقوانين والجهل بالإعدادت وتأثير البرمجيات على الخصوصية ليس سوى جانبٍ واحد من احدى الجوانب التي يتأخر فيها السوق السوداني. هنالك ايضاً نوعية، كيفية وكمية اتاحة المعلومات عبر الشبكة. خذ ارقام الهواتف كمثال. هذه الأرقام -وان كان الكثيرون يقللون من اهميتها- احدى تلك المعلومات التي لا ينبغي ان تشارك الا مع من يوثق فيه. ولعل الرأي العام في نشر مثل هذه المعلومات يمكن ان يوضح بالإشارة الى تبعات كشف احد مرشحي الرئاسة الامريكية لهاتف احد منافسيه للكل (على الهامش: كونه ترمب مترشح دي في حد ذاتها مشكلة >_> ) ولا ننسى الإشارة الى ان ارقام الهواتف احدى اهم المعلومات التي يستخدمها بضع السفهاء لمضايقة وازعاج الغير ( كمثال قصة احد كتاب موقع Arstechnica مع ما يعرف بالـDoxxing).
اما هنا بين اوساط المستخدمين السودانيين، يكفي ان يكتب احدهم في مجموعة عامة على الفيسبوك "في قروب واتساب للغرض الفلاني" لتجد اعضاءه يتهافتون لعرض ارقام هواتفهم على الملأ.

ليس كل ما يتعلق بالخصوصية بالنسبة للسودان سلبياً (او ذو ناتجٍ سلبي). وللسخرية، فإن احدى اكبر الأمور مساعدة في توفير درجة ما من الخصوصية بالنسبة للمستخدم السوداني هما الحظر المفروض من الخزينة الأمريكية على السودان والتأخر الحاصل في الساحة التقنية السودانية.
بالنسبة للحظر، فقد ساعد -في وجهة نظري- على الحد من توغل مد الخدمات الدعائية داخل السودان. وهنا اتحدث عن مهددات للخصوصية مثل حركات "تخصيص وتوجيه" الاعلانات عبر خلق "بروفايلات" للمستخدمين مبنية على استخدامهم للخدمات المختلفة المرتبطة بالإنترنت. عدم اعتبار السودان كسوق مستهدف للشركات العالمية وعدم وجود عائد مرجو من المستخدم السوداني جعل قيمة معلومات الفرد السوداني منعدمة تجارياً. ما الفائدة من احصائيات رغبات محمد احمد الفي العمارات (شخصية وهمية. اي تشابه في الاسماء من محض الصدفة) ان لم يكن هنالك كيان يرغب في التسويق في العمارات؟
لا يعني بالضرورة ان المستخدم السوداني معفي من الاف -ان لم تكن ملايين- تقنيات المتابعة و الاحصاء التي تمتلئ بها الشبكة العنكبوتية. لا تزال قوقل تسجل كل كلمة و جملة قمت بالبحث عنها عن طريق محركها، ولا يزال الفيسبوك يحتفظ ببروفايل عن هواياتك وما تحب وما تكره. وبالتأكيد لا يزال هذا المستخدم عرضة لملايين الspywares وباقي البرمجيات الخبيثة  المهددة للخصوصية ومحاولات سرقة الحسابات المعدة لكي تعمل اوتوماتيكياً، ولا ننسى المؤامرات السياسية والاستخباراتية امثال PRISM واخواتها.

لحسن -وسوء- الحظ، فإن هذه العزلة الالكترونية في طريقها الى الاندثار تدريجياً، والرفع الجزئي (المشروط) للحظر الأمريكي اولى الخطوات نحو ذلك. وبالفعل بدأت بعض المؤسسات الكبرى إتاحة خدماتها للمستخدم السوداني (Google Play). لكن ربما ينبغي ان نبدأ في اصلاح المفاهيم والأسس التي تُبنى عليها استخداماتنا لها قبل ان تدخل بكامل ثقلها للسودان. ينبغي على المستخدم البسيط ان يدرك قيمة المعلومة وان يبدأ في التعامل معها على اساس انها عملة مثلها مثل الجنيه والدولار. ومثلما ينبغي عليه حمايتها يجب ان يدرك ان قيمة المال ليست في وجوده، بل في كيفية انفاقه. ليست الإشكالية في مشاركة المعلومات مطلقاً، بل في مشاركة ما يجب الإحتفاظ به سراْ او محدود الإنتشار.
هذا الأمر يتطب ايضاً ايماناً بأهمية القوانين والإلتزام بها، حتى ان كانت هذه القوانين والشروط لإستخدام منتدى ما. لقد رأيت الكثير مِن مَن يسخرون من -ويرفضون الانصياع لـ- صياغة وتسيير قوانين داخل المجموعات والصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من ان هذه المجموعات والصفحات تعتبر مجتمعات قائمة بذاتها داخل هذه الشبكات. هذه العادة السيئة تؤثر سلباً على الخصوصيات بحكم ان حماية هذه الأخيرة يتطلب موافقة وتسيير للقونين والأحكام التي تقوم بذلك. اعتبر هذه النقطة تكراراً  او نظرة اخرى لجزئية التغاضي (او الكسل) عن مراجعة لوائح الاستخدام المذكورة اعلاه.

ولا ننسى ذكر ان مفاهيم الخصوصية تتداخل في مع العديد من المفاهيم الاخرى. أذكر مثلاً تلك الارتباطات بينها وبين مفاهيم حقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر. هنا تنبغي الإشارة لحالة اللا مبالاة المتأصلة في المجتمع السوداني بكل ما يتعلق بالملكيات الفكرية.
للكثير من ما يتعلق بالخصوصية نصيب من هذه اللا مبالاة، فبالإضافة لعدم الاكتراث بالحفاظ على محدودية انتشار ارقام الهواتف المذكورة اعلاه، هنالك ايضاً عدم اكتراث بالقضايا المؤثرة في موضوع الخصوصية عالمياً. لنذكر مثلاً برنامج التجسس الأمريكي الشهير PRISM و التسريبات التي بينت مدى توغله داخل خدمات البريد الإلكتروني والشبكات الاجتماعية الكبيرة. هذه التسريبات اثارت جميع المؤسسات والكيانات المدافعة عن الخصوصية وحقوق الإنسان. لكن ان جربت طرح هذا الموضوع على مستهلك سوداني، غالباً ما ستسمع احدهم يردد "هو انا عندي شنو يتجسسوا عليه؟" او ما يحمل مثل هذا المعنى.
ربما يمكن ان يجادل احدهم انه فعلاً لا ضرر لخصوصية المستخدم السوداني في هذه الحالة، لكن الإشكالية هنا ليست الضرر نفسه، بل ان هذه العقلية ان استمرت بهذه الصورة فتصبح اشكالية كبرى في مستقبل يلحق به السوق السوداني بركب العالم ويصبح قطاعاً مستهدفاً للخدمات الاستهلاكية المختلفة، وتباعاً الدعاية والإعلان. في مثل هذا المستقبل تصبح عقلية "ما فارقة معاي" هذه عذراً لمزودي الخدمات لكي يتجاهلوا تقديم ابسط اليات الحفاظ على خصوصية مستخدميها (وتدريجياً التحول الى فلسفة If you have nothing to hide).


في الختام، اذكر بأن الخصوصية وامن المعلوماتية وجهين لعملة واحدة. فلا خصوصية لمن لا يهتم بحماية بيانته. ولا سترة لمن يترك باب بيته مفتوحاً على مصراعيه. لكن لحسن الحظ، فإن المحافظة على امن المستخدم عند استخدامه للإنترنت لا يحتاج سوى القليل من "تشغيل الراس"، والقليل من الاهتمام بالسياسات والمتغيرات في هذا المجال. هنالك الكثير من الإرشادات على الشبكة لكيفية المحافظة على اجهزة وانظمة على درجة عالية من الحماية، واذكر مثلاُ هذه المدونة لصديقي المهندس احمد عباس المهتم بأمن المعلوماتية يذكر فيها بعض الأدوات التي تساعد على تصفح للإنترنت اكثر اماناً.
ويبقى الموضوع مرتبطاً بالمستخدم. إن شاء ان يفكر ويبحث، أمن. وإن مال للكسل والراحة، راح في ستين دهية.



Pending Proofreading - ETA: 9.99E99

هل تعلم: كلمة "خصوصية" تكررت في هذا النص 31 مرة بدون حساب هذا السطر :|
"D في العربي، A+ في الانجليزي"، قصة لن يفهمها سوى القليلون..