All But Reality

Imagine a catchphrase here

Simple template. Background and Customization by Shihab Elagib. Powered by Blogger

May 14, 2018

ورشة العاب الفيديو الرقمية - اول Game jam في السودان؟


"انت بتعمل هنا شنو؟" سؤال ظللت اكرره لنفسي طوال الاسبوع الماضي. سؤال سألته نفسي حينها وقت كنت احاول اقناع ذاك الحاسوب بأن يقوم بتجميع شفرة برمجية اعمل عليها، وحين كنت احاول اقناع المجموعة التي اخاطبها بأن تصوري للعبة الفيديو هذه يستحق التصويت له والعمل على انجازه. نعم، "لعبة فيديو." ففي الأسبوع الماض، ولسبب ما، كنت ضمن احدى الورشات النادرة في السودان لتصميم الالعاب. Go figure….


قبل حوالي اسبوع، في الخامس من مايو 2018، انطلقت اول ورشة من نوعها في السودان بإسم "ورشةالألعاب الرقمية"وتحت شعار"Gamefy Your Country،" برعاية كل من مؤسسة جوته الألمانية الثقافية و "معمل كولون للألعاب،" قسم في جامعة كولون الألمانية المرموقة يعني بأكاديميات تطوير ألعاب الفيديو (ايوة، القيمز دي بيقرو ليها جامعة!). وبالطبع، لا ننسى Impact Hub Khartoum وتكفلهم بإستضافة هذه الورشة (على الأقل، للنصف الأول منها).

قبيل شهر او ربما اكثر بقليل، مر علي اعلان على الفيسبوك يدعو المهتمين بألعاب الفيديو وذوي خلفيات برمجية وفنية (خصوصاً في الكتابة الادبية، الفنون التصويرية والصوتيات والموسيقى) للمشاركة بورشة للألعاب تحت رعاية المؤسسات المذكورة اعلاه. التقديم لهذا الورشة كان عبر ملء استمارة فحواها اسئلة تتعلق بخبرة المقدم في المواضيع المذكورة، بالإضافة لمدى اهتمامه بالالعاب وبعض الاسئلة الأخرى.
طبعاً، كمدمن لألعاب الفيديو لقرابة العقدين، وكهاوٍ في كلاً من البرمجة والنمذجة ثلاثية الأبعاد، كان من البديهي ان اقدم لتلك الورشة، على الرغم من اني لم اكن كثير الثقة في ان يتم قبولي. نعم، لدي معرفة متوسطة بإستخدام بغض لغات البرمجة وبعض برامج النمذجة والتصيير ثنائية و ثلاثي الأبعاد، لكني -في اخر المطاف- مهندس مدني، لا املك خلفية اكاديمية ولا حرفية في اي منهما. لما سأُقْبَل انا بينما من المؤكد ان المنافسة سيكون فيها العديد من خريجي وطلبة كليات علوم الحاسوب والبرمجيات على جانب، وكليات المعمار والفنون على جانب اخر؟
ولكن، على ما يبدو، ما كتبته قد اعجب احدهم على الجانب الاخر من الشاشة. فها هو اخطار القبول في صندوق بريدي الوارد يبلغني بأني قد فزت بمقعد في هذه الورشة، تلاه بريد اخر بجدول الورشة. “اوكي،" قلت لنفسي، "الموضوع دة كتم!
كتم،" لأني، كما قلت اعلاه، لم اكن اثق في اني املك ما يكفي من المؤهلات لمثل هذا الأمر. “انت يا ابني قرايتك مونة وخرصانة، ورملة وموية، شن جابك للـ do while و الelse if؟" وظللت على هذا المنوال حتى بداية الورشة.

اول يوم في الورشة كان عبارة عن تعريف بهيكلها، الذي بدوره يدور حول مفهوم يسمى بالـ Game jam (المزيد عنه لاحقاً)، بالإضافة لمرحلة "التعارف" التقليدية: انا فلان، اعمل او ادرس الشئ الفلاني، افضل الالعاب الفلانية، الخ..
قائدي ومدربي الورشة، يوناس زيمر وكارمان يوهان، محاضران وباحثان بمعمل كولون للألعاب، ومختصين بالبرمجة والتصميم على التوالي. قاما -بعد التعريف عن نفسيهما- بشرح فكرة الGame jam، التي -في ابسط صورها- يوم او اثنان او ثلاثة يجتمع خلالهم مبرمجون ومصممون وكاتبو سيناريو ليختارو -او تختار جهة اخرى لهم- موضوعاً او theme ما ليقومو بتطوير لعبة كاملة في تلك السويعات المحددة مسبقاً. نوع من الـHackathons (التي تقام بعضها بالفعل في السودان بصورة دورية، مع اني اشك في حصول واحدة متعلقة بالألعاب من قبل).
لعبة كاملة في يومان او ثلاث؟ بعض الألعاب تأخذ اعواماً في التطوير! لعبة Fallout 3 اخذت ستة اعوام وكذلك Resident Evil 4، اما Team Fortress 2 فلم تخرج من الستوديو الا بعد تسعة اعوام!

لحسن الحظ، فإن مصطلح "العاب الفيديو" ليست حكراً فقط على المشاريع الضخمة مثل تلك المذكورة، بل قد تبدأ من ابسطها التي لا تأخذ سوى دقائق لكي تخرج بمنتج يعمل. فخلافاً لما يعارض الكثير مِن مَن يسمون انفسهم "Hardcore Gamers،" فإن عناويناً مثل Candy Crush و المزرعة السعيدة هي ايضاً العاب فيديو "بحق.” تاريخ الصناعة بدأ بعناوين بسيطة (وان لم تكن بسيطة التطوير حينها) مثل Tetris و Space Invaders و غيرها من الالعاب ثنائية الأبعاد ذات الفكرة البسيطة جداً. تطور التكنولوجيا مع الزمن اتاح للصناعة ان تتمكن من انجاز المزيد بنفس المجهود، او -بديهياً- ان تنجز نفس العمل بمجهود -وزمن- اقل! وهذه احدى العوامل الرئيس التي بنيت عليها فكرة الGame Jams.

قديماً، كانت الألعاب تبرمج من الصفر، بل تبرمج مخاطبة فيها الألة مباشرة وليس عبر لغات برمجة عليا كالتي نستخدمها اليوم. تطور الوضع وظهرت ادوات وواجهات برمجة وتطوير مخصصة للتطوير الألعاب، واستمر الوضع في التطور حتى وصلنا الى محركات الألعاب. محركات الألعاب، في احدى صورها، هي مجموعة من الادوات والواجهات البرمجية التي تقوم بأغلب اعمال البنية التحتية في تطوير الألعاب، كتجهيز واجهات التصيير البرمجية كالـDirect3D والOpenGL، ووضع منظومة برمجية مخصصة للألعاب كمنظومة الscripting بإستخدام لغات برمجة عامة بشروط مخصصة او لغات مخصصة بالكامل لهذا الغرض، وجمع العناصر المختلفة للعبة من نماذج ثلاثية الأبعاد او رسومات ثنائية الأبعاد او اصوات او غيرها في قاعدة بيانات واحدة ومنظمة، وغيرها الكثير من الاليات والادوات التي تزيل اغلب العبء التنظيمي والبرمجي من المطور. هذه المحركات جعلت من فكرة الـGame Jams امراً يمكن تطبيقه عملياً على نطاق واسع. لا تنسى ان المطورين لا يملكون سوى بضع ايام لإخراج تلك اللعبة. بدون محركات الالعاب، هذه المدة قد لا تكفي حتى لكتابة الاساس للاطار البرمجي الذي يقوم بعمليات التصيير.

اذا فلا بد من ان نستخدم هذه المحركات، وقد كان. في الحقيقة، طلب التقديم للورشة كانت فيه جزئية متعلقة بمحركات الالعاب، وتحديداً عن وجود خبرة بإستخدام محرك Unity، مع ان تلك المعرفة لم تكن -وحدها- شرطاً حاسماً في الاختيار. بداية الورشة كانت في غالبها عن Unity، خصص يومان لتثبيته على اجهزة الحضور وتعريفهم به والمرور على بعض اساسياته. لم يكن جميع الحاضرين حديثي العهد بهذا المحرك، بعضهم كانو ذوي خبرة سابقة (بعضها طويل) به، وحتى اولائك الذين كانت هذه الورشة اولى عهدهم بالمحرك لم يمنعهم من ان يقدمو في اخر الورشة اعمال ممتازة! وبالمثل اتى ذوي الخبرة.
انا شخصياً، في الاسابيع التي تلت التقديم للورشة وقبل بدايتها، قمت بتحميل Unity لكي ارى ما يمكن ان افعل به لوحدي. سابقاً كنت قد قمت بتحميل Unreal Engine، لكني لم استمر فيه سوى بضع فيديوهات من الدروس. الحوجة لإستخدام VPN للتحصل عليه وتحديثه والتحصل على الاضافات له لم تكن مشجعة على الاستمرار (السودان، وكدة). Unity ايضاً مقرها في امريكا، ومحاولة تحميل المحرك ستواجهك فيها ايضاً تلك الرسالة المشؤومة التي تخبرك بأنهم لا يمكنهم التعامل مع قاطني السودان. الفرق ان Unity يسمح بتحميل المحرك (Editor*) للإستخدام الشخصي حتى في تلك الحالة، وهذا يشمل ايضاً التوثيق والمراجع الرسمية للمحرك ومكوناته، وهذا هو كل ما كنت احتاج اليه. ما ساعدني في التأقلم السريع مع المحرك اطلاعي الكثير على كيفية عمل الالعاب والتصيير ثلاثي الأبعاد عموماً، بالإضافة لخبرتي المتواضعة في الصور ثلاثية الأبعاد. اضف الى ذلك عادتي في مشاهدة الفيديوهات التعليمية بسرعة تشغيل مضاعفة (ما بين 1.5x الى 2.5x السرعة الطبيعية)، تمكنت عبرها من الوصول الى درجة لا بأس منها من معرفة كيفية التعامل مع المحرك.

عودة الى الورشة. في اليوم الثاني (اعتقد؟) بدأنا بتحديد موضوع الالعاب التي سنقوم باخراجها. سمح لكل من الحضور بإقتراح عدة مواضيع، صُوِت عليها حتى خرجنا بموضوع واحد. اغلب تلك الأفكار دارت في فلك المشاكل التي تواجه المواطن السوداني. طبعاً، كان هنالك ظهور بارز لأزمة الوقود والمواصلات، لكن في اخر المطاف و لكي نرضي جميع الأطراف، تم الإتفاق على ان نختصر الموضوع الى "الخرطوم.” علينا فقط ان نطور لعبة متعلقة بالخرطوم. ما هي تلك اللعبة وكيف ستلعب؟ هذا هو موضوع اليوم التالي.

مشاركي ورشة الالعاب الرقمية

اليوم التالي كان متعلقاً باللعبة نفسها، على كل منا تأليف فكرة او اثنتين لألعاب تتعلق بالموضوع المتفق عليه. لا شروط لهذه الأفكار سوى ان تكون داخل ذاك الموضوع وان تكون قابلة التحقيق في اليومين الى ثلاث ايام المتاحة للعمل. فكرة لعبة ثلاثية الأبعاد لعالم مفتوح مثل The Witcher 3 مثلاً مستحيلة عملياً، بالأخذ في الاعتبار ان هذا العنوان نفسه اخذ ثلاثة اعوام ونصف من فريق من المحترفين واكثر من ثمانين مليون دولار! واحدة فقط من الأفكار المقترحة اقتيدت لتلك المقصلة، الفكرة كانت عن لعبة محاكاة وبناء مدن City building simulation لمدينة الخرطوم. لم تكن فكرتي، لكنها اعجبتني جداً لدرجة اني تطوعت بالفعل للانضمام للفريق في نمذجة المباني والبيئة. لحسن الحظ، استطاع يوناس وكارمين اقناع اصحاب الفكرة بأنه من المستبعد انجازها في المدة القصيرة المتاحة، بل وعرضا علينا بعضاً من الجداول والعناصر التي تدخل في تطوير مثل هذه الالعاب. يكفي القول انه انا، كمهندس موارد مائية تمر عليه جداول معدلات امطار لعشرات الاعوام، ارعبتني تلك الجداول التي رأينها في ذلك اليوم!

بعد انتهاء الجميع من التفكير في مقترحات لألعابهم التي يودون تطويرها، قام كل فرد "بتسويق" فكرته لباقي الحضور من اجل كسب اصواتهم واشتراكهم في تطوير فكرته. لا اذكر بالتحديد كم مقترحا مبدئياً وصلنا اليه يومها، لكني اذكر انه لم يبقى مكان في السبورة حينها واضطررنا الى الكتابة بين السطور.
كل تلك الافكار كانت تعد بلعبة جميلة، لكننا انتهينا في اخر المطاف الى ثلاث افكار وثلاث فرق:
الاولى كانت فكرتي شخصياً، وفي نفسها مستوحاة (او ممكن تقول مسروقة، عادي ما بيناتنا) من لعبة Papers Please. فكرتي تدور حول موظف خدمة مدنية ما (لا يُذْكَر صفتها بالتحديد) وعمله الصباحي من موافقة ورفض على ما يمر عليه من مستندات. الفكرة ببساطة هي محاولة توطين فكرة Papers Please للواقع الخرطومي، من فساد ومآسي وظلم وغيره. كأصل الفكرة، رغبت في ان استخدم السخرية والكوميديا السوداء كوسيط لسرد الواقع بصورة مثيرة للإهتمام. الإسم المبدئي (والنهائي برضو) للعبة كان The Civil Servant.
الثانية، والتي ربما كانت اكثر المشاريع التي وصلت لنهاية مثيرة للاعجاب من ناحية انتاج وسرعة الوصول للنتيجة، كانت لعبة Platformer لا نهائية ثنائية الأبعاد مقتبسة من حال المواصلات وازمة الوقود. الصراحة شعرت بالكثير من الحسد اتجاه هذا الفريق. فبينما انا احاول معرفة سبب المشكلة الألف التي مرت علي في مشروعي، كان هذا الفريق قد وصل بالفعل الى نتيجة ممتازة! (جازكم ذاته! ثلاثة مبرمجين في تيم واحد؟ ما كان فيكم واحد يجي معانا هنا! -_-)
الثالثة، والتي ربما كانت اكثر الفرق تطلعاً بيننا، قررت تصميم لعبة سباق ثلاثية الأبعاد، مضمارها شارع النيل، وسياراتها ليست بالضرورة سيارات، فاللاعب فيها يبدأ متسابقاً بـ -صدق او لا تصدق- كارو يجرها حمار! يمكن للاعب ترقية مركبته الى اخرى اسرع تمثل صوراً تقليدية للتنقل في الخرطوم. وطبعا، الركشات كانت من اميز الحضور! الفكرة كنت جميلة، والتنفيذ حظي بنفس القدر من الاعجاب. المعمارية المسؤولة عن تصميم المضمار تمكنت من خلق مجسم ثلاثي الأبعاد بأسلوب الVoxels لشارع النيل بصورة جميلة جداً! اذكر اني قاربت ان استسلم من انهاء مشروعي بالكامل عندما رأيت ذاك المجسم لأول مرة. “نحن مفروض نصل المستوى دة كيف يعني؟"

بعد ان انقسم الحضور بين المجموعات الثلاث، بدأ كل فريق بالعمل على مشروعه. اولى الخطوات كانت ساعات من النقاش حول الفكرة نفسها، ماذا يمكن ان يضاف وماذا يجب ان يحذف؟ من سيفعل ماذا وكم من المجهود سيبذل فيها؟ وفي حالة مشروعنا تحديداً، كان هنالك حوار طويل متعلق بالجانب الكتابي، ما هي السيناريوهات التي ستذكر؟ كيف ستلقى هذه السيناريوهات؟ كم منها نحتاج؟ الخ.

في اليوم التالي بدأ كل فريق في العمل الفعلي. الكتّاب في كتابتهم والفنانون في رسمهم (او نمذجتهم) والمبرمجون في برمجتهم والمدربون متنقلون بين هذا وذاك، يساعدان احدهم في جزء من الشفرة البرمجية وينصحان ذاك في اسلوبه الذي يرسم به. ذاك يوم لم يكن مليئاً بالإنجازات، الجميع كان يختبر في الافكار والشفرات ليرى ان كانت تعمل للنتيجة التي يريد. وظللنا على هذا الوضع حتى نهاية اليوم، وان كنت اشك في ان هنالك من لم يستمر في العمل في منزله. عن نفسي على الاقل، اذكر تلك الليلة اني لم انم حتى الثانية صباحاً محاولاً كتابة شفرة قراءة نصوص Parser بدائية. من المثير للسخرية ان الكود كان يعمل بدون مشاكل ساعتها، لكنه "بدا يعمل حركات" عندما حاولت تجربته في الصباح التالي..

اليوم التالي لم يختلف في بدايته عن سابقه: بضعة عشر رأساً اعينهم ملتصقة بشاشات حواسبيهم، بعضهم منكبون على شفرة ما، بعضهم في برنامج رسم ما، وبعضهم يحررون نصاً ما. الفرق الرئيس بينها وبين اليوم الأول انه في اخره كان لدى الجميع نسخة تعمل -وان كانت غير مكتملة- من مشروعهم. وعندما اقول "تعمل،" اقصد انه لديك لعبة يمكنك تشغيلها والتحكم بشيء ما داخلها. لا يعني بالضرورة انها تمثل كل اللعبة او ان فيها هدف او اي آلية للعب.



اتذكر حينما قلت “لحسن الحظ" عندما تحدثت عن اقناع يوناس وكارمين لنا بالتخلي عن فكرة تطوير المدن؟ حسناً، ما تبين لي شخصياً لاحقاً انه حتى الفكرة البسيطة التي كنت اتخيلها ليست بتلك البساطة التي يمكن ان تنتج في بضع ايام. ما حدث في حالتي، انه حتى نهاية اليوم الثاني من فترة التطوير، ربما كان لدي لعبة يمكنني تشغيلها وحدوث شيء ما في الشاشة، لكن هذا الشيء مجرد تجارب، لا اكثر! حتى بداية اليوم الأخير (الذي لم يكن، رسمياً، بالكامل مخصصاً للعمل على الألعاب)، لم يكن لدي محتوى روائي داخل اللعبة، لم اكن قد اكملت كتابة كل الـparsers، بل وحتى انني لم اكن اكملت النصف الثاني من اللعبة ولم ابدأ حتى في العمل فيه! وما يزيد الطين بلة انني كنت المبرمج الوحيد في الفريق (فريقنا كان يتكون من مبرمج واحد، رسام واحد وكاتبين).لكي استطيع اللحاق بباقي الفرق، اضطررت للبقاء مستيقظاً حتى الفجر. في مرحلة ما، قضيت حوالي نصف ساعة العن في الحاسوب الى ان اكتشفت اني كنت -من كثر الاجهاد وانعدام التركيز- احاول مساواة متغيرين من نوعين مختلفين…

جانب من الورشة في مركز جوتة

اخر يوم خصص فيه بضع ساعات في بدايته للعمل على الألعاب، بعدها انتقلت الورشة لمرحلة عرض ما انجزناه، وبالطبع، كوني متأكداً اننا اكثر الفرق تأخراً، رأيت ان نكون اولها في العرض كي لا نحل بعد انجازات الفريقين الأخرين. بدأت بعرض الشفرة (ودة كان كود طويل، طوييييل) خلفي كي احاول التخفيف من نقصان المنتج النهائي. من بين الثلاث مشاريع، فريقنا كان اكبرها حجماً في طول الشفرة (بلا فائدة...)، حتى تلك اللحظة لم نكن قد اضفنا نصوص الحوارات، لكن اللعبة كانت -على الأقل- تكمل اليوم الأول بنجاح (اللعبة تدور على مدى عدة ايام، بفترتين نهارية وليلية). تلانا في العرض كلاً من الفريقين، الذان كان نتاجهما مثيراً للإعجاب ان اخذت في الاعتبار الزمن الذي استغرقه التطوير.

من الجوانب التي يجب ذكرها من ما حدث في هذا العرض كانت التعليقات التي جرت على مشروعنا، تحديداً المتعلق بالتبعيات السياسية له. عندما يكون عملك الفني يحمل في طياته انتقاداً للقطاع العام ورسماً للكثير من الجوانب السلبية والمظالم في المجتمع والدولة، من المؤكد ان المخاوف من رد الفعل الحكومي ستكون مثار لبعض التخوف. وللأمانة، بداخلي كنت اود ان اكون اكثر وضوحاً في انتقاداتي، لكن كون هذا المشروع ضمن حدث برعاية مؤسسة كبيرة كان من الواجب اخذ الحذر.

مشهد من النصف الأول لمشروعنا. No time for testing!

اليوم الاخير من الورشة تزامن مع يوم ثقافي-ترفيهي نظمته مؤسسة جوتة للألعاب (الرقمية والتناظرية)، عرضت فيه بعض الالعاب العالمية، بعضها انتج من طلبة يدرسون في معمل كولون للألعاب، وبعضها محلي الصنع. و بالطبع، خصص ركن من هذا المعرض لنتاج ورشة الألعاب الرقمية، لذا كان لا بد -لحفظ ماء الوجه- ان تكون هذه الالعاب مكتملة بما يكفي للتقديم. باقي الفرق كانت قد اكملت العابها بالفعل واستفادت من المدة بين العرض الداخلي وافتتاح المعرض لإضافة اللمسات الاخيرة على مشاريعهم. اما نحن، فقد جلسنا عدة ساعات في تنظيم نصوص الحوارات واكمال ما يمكن اكماله من التصور المبدئي الذي وضعنها قبل يومين.


لم تكن لدي نية لإستقطاع وقت لتنفيذ قائمة رئيسية لمشروعنا، لكن هذه الخلفية التي صممها حذيفة، الفنان في فريقنا،
 اعجبتني للحد الذي جعلني استقطع ساعة لتنفيذ تلك القائمة.

وحانت ساعة الصفر، حينها توقفنا -او اجبرنا على التوقف- عن العمل وقمنا بنقل اجهزتنا الى الصالة ووضعها في اماكن العرض. وفتحت الأبواب للزوار، وبدأنا في شرح ما فعلنا وما يرونه امامهم. للسخرية، اتضح لي اثناء ما كان الحضور يقومون بتجربة مشروعنا اني قد اضفت bug في مكان ما تجعل اللعبة تتوقف نهاية اليوم الثاني (من المفترض ان تستمر اللعبة لخمسة ايام). الى الان لا ادري ما السبب او اين هي تلك الـbug، وصراحة، لم احاول حتى ان القي نظرة للشفرة مرة اخرى بعد نهاية ذاك المعرض!

قد كان اسبوعاً جميعاً، ممتعاً، مفيداً تعلمت الكثير خلاله. تعلمت لما كبر حجم صناعة الالعاب -المستقلة تحديداً- في الغرب والشرق، ليس لأنهم عباقرة برمجة او فنانين موهوبين بقدر ما هي نتيجة للكثير من الشجاعة والكثير من المحاولة والمثابرة. وطبعاً، تعلمت ان عمل لعبة ليس بالضرورة لعباً في نفسه، بل من الممكن ان يكون صداعاً و محاربة للنوم لعدة ايام متتاليات. ولكي اكون اميناً، انتقاصي من نتاج فريقنا ليس سوى انتقاد لشخصي. فريقي لم يقصر في واجباته، فالكتّاب اجادو كتابة حواراتهم وتأليف سيناريوهاتهم والرسام قدم كل الرسوم المطلوبة واضاف اليها الكثير من الجوانب المقترحة، لكن عنق الزجاجة كان الجانب البرمجي، لم يسعفني الزمن لأنفذ كل ما كنا نرجو في بداية التنفيذ، وحتى ذلك الذي نفذته لم اجد وقتاً كافي لكي احسنه. وبالطبع، كوني غير محترف في تطوير البرمجيات جعل المشروع معقداً اكثر من اللازم. (يتهيأ لي كان ابطل كسل واقرا الكتب الاديتني ليها ديك يا جيمي...)

فريق The Civil Servant. من يمين: عمر (كاتب، مصمم العاب. الشال لزو)، محمد التجاني (كاتب)، حذيفة (رسام، مصمم جرافيكي)، شخصي الضعيف وطاقيته (ما تبقى، الطاقية الcredit بتاعها اكبر طبعاً...)

هذه الورشة مثلت -او يرجو جميع من شارك فيها اعداداً او حضوراً ان تمثل- حجر الأساس لمشروع طويل لتوطين صناعة العاب الفيديو (وليس مجرد الاستهلاك) في السودان. لما لا؟ الفنانون السودانييون يملأون مواقع التواصل الاجتماعي بأعمالهم، وكليات العلوم الرياضية والحاسوب والبرمجيات تخرِّج المئات كل عام، لا ينقصنا شئ سوى الحماس والرغبة لإخراج العاب فيديو. 

لهذا السبب، هنالك سعي من مؤسسة جوتة للتعاون مع خريجي هذه الورشة، واي مهتم بهذا الأمر، لتكوين مجتمع من مهتمي ومطوري العاب الفيديو في السودان، واولى اهداف هذا المجتمع (المحددة) هي الاستمرار في اعداد المزيد من الـGame jams محلياً، ومحاولة المشاركة في الـGlobal Game Jam العالمي المقام مطلع السنة القادمة ممثلين للسودان.

اه، بالمناسبة، قلت ليكم انه صناعة الفيديو قيمز دي صناعة بمليارات الدولارات؟
اخبار صف البنزين شنو؟