All But Reality

Imagine a catchphrase here

Simple template. Background and Customization by Shihab Elagib. Powered by Blogger

May 21, 2016

كيلوواط: القدرة في الحواسيب الشخصية.

لا يمر على احد منا هذه الايام اكثر من بضع واربعين ساعة دون ان يشهد انقطاعاً للكهرباء في منزله او مكتبه. هذا ان لم يكن من تعيسي الحظ اللذين يقطنون تلك المناطق التي تشهد قطوعات تقارب ان تكون يومية. توليد -وتوصيل- الكهرباء في السودان، كحال جميع بنيات الخدمات التحتية فيه، يعاني من مشاكل جمة قد تكون قاتلة في بعض الاحيان. قد يجادل احدهم انها نتيجة لزيادة الاستهلاك دون وجود زيادة موازية في الانتاج، وربما او ربما لا يكون مصيباً في قوله هذا. وقد يضيف اخر ان الزيادة الكبيرة في استخدام الحواسيب -متضمنة الشخصية المكتبية والمحمولة وحتى اللوحية والهواتف الذكية- احدى تلك الامور التي ساهمت بصورة كبيرة في زيادة ذاك الاستهلاك، وبالمثل من المحتمل ان يكون مصيباً او مخطئاً، لكن ان كان ذاك القول أت دون دراية بكيفية استهلاك تلك الاجهزة للطاقة، فغالب الظن انه مخطئ (ما لم يكن صاحب حظ محظوظ).


مبدئياً لنضع نقطة رئيسية لهذا النص: الحواسيب الشخصية، حتى المكتبية منها -عادة- لا تستهلك ذاك الكم المرعب من الطاقة. في الحقيقة، ليس من المستبعد ان تجد حاسب مكتبياً يسحب طاقة مساوية او اقل من ما تحتاجه مروحة السقف العادية، بدون حتى ادخال اللابتوبس والتابلتس في المعادلة. لكن لعل هذه المقارنة قاصرة بعض الشئ. فليست "كل" الحواسيب تسحب 100 واط من الطاقة، فهناك الكثير منها تحتاج اقل بكثير، واخرى اكثر بكثير. وحتى تلك التي يقدر صرفها بـ100واط قد لا تصل تلك المرحلة الا دقائق معدودة من فترة تشغيلها الكلي.

لتفسير هذه النقاط الاخيرة، لنأخذ الحاسب الشخصي (ولنحصر الحديث هنا عن المكتبي واللابتوبس فقط) متفرقاً كمكوناته الداخلية. من وجهة نظر سحب الطاقة، هناك اربع اقسام رئيسية في صرف الطاقة: المعالج المركزي، المعالج الصوري، وسائط التخزين و وسائط الاخراج. بالطبع، ليست هذه جميع المكونات الرئيسية، لكن المتبقية، كاللوحة الام والذواكر الرئيسية لا تحتاج لسوى حفنة من الواطات للعمل. مجموعة شرائح الـz68 من انتل المطلقة في 2011 تقدر القدرة التصميمة الحرارية TDP لها (المزيد عن هذا الموضوع لاحقاً) بـ~6 واط، يمكن القول ان هذه الشرائح تمثل استهلاك اللوحة ككل (مع تجاهل -ان وجدت- اضاءات الـLEDs ذات الصرف الهامشي جداً).

اكبر مساهم في تحديد القدرة المطلوبة لقب متنازع عليه بين المعالج المركزي، الصوري ووسيط الاخراج. الحواسيب المركزية يتراوح استهلاكها (مرة اخرى، باعتبار الـTDP فقط) بين ما قد يصل لـ130واط لمعالجات مثل الجيل الاول من الـi7 عالية الاداء (سلسلتي معالجات بلومفيلد  غلفتاون من معمارية نيهاليم)، الى 35 واط كما في حالات بعض معالجات معمارية سكايليك الاخيرة.
المعالجات الصورية عادة تحتاج -في اقصى ظروف الاستهلاك الطبيعي- طاقة اكبر من المعالجات المركزية للعمل. بطاقات الـHD 7750 ذات الاداء المنخفض مثلاً تقدر قدرتها التصميميمة الحرارية القصوى بـ55واط، بينما بإمكان البطاقة العملاقة الـR9 295x2 تطلب 500 واط بمفردها. 
وسائط الاخراج، ولنفترض هنا انها محصورة فقط في شاشات الكريستال السائل، وتحديداً تلك المدعومة بإضاءة LED خلفية، قد لا تتعدى الـ30 واط لشاشة بحجم 22 بوصة. لا توجد معايير لهذه الشاشات لكي ادعم هذا النص بمصدر لها، لكن بإمكانك اجراء بحث عن مواصفات الشاشات في حدود 18 الى 24 بوصة مصنعة في في الثلاث سنوات الاخيرة. مثلاً.

من الفقرة السابقة قد يشكك احدهم في قولي ان اكبر مساهم في تحديد القدرة المطلوبة متنازع عليه، فحسب النص الذي يليها، البطاقات الصورية تتطلب عموماً طاقة اكبر من المعالجات المركزية، بينما تحتاج الشاشات لطاقة اقل. هنا ينبغي التطرق لنمط عمل كل من هذه المكونات لتفسير الجملة الاولى. في البدء، ليست جميع الحواسيب الشخصية تأتي ببطاقات صورية منفصلة من AMD او انفيديا. في الحقيقة، الغالبية العظمى تأتي بمعالجات انتل الصورية المدمجة. لذا عند الحديث عن الاستهلاك الـ"متوسط"، فنحن غالباً نتحدث عن جهاز بمعالج Intel HD صوري بقدرة قد لا تتعدى الـ30% من تلك التي يحتاجها المعالج المركزي (راجع جدول المقارنة اسفل الصفحة).
ثانياً، كلاً من المعالجات الصورية والمركزية قلما تعمل بكامل القدرة التصميمة لها طول الوقت. هاذين المكونين اصبحا منذ وقت طويل يأتين بـ"أنماط" لحفظ الطاقة. خذ مثلاً حالات الـC-states وتحديداً الـC1E، وتأثير تقنيات الـEIST، او الانماط الدنيا لساعات عمل المعالجات الصورية (ما كانت تعرف بالـ2D Clocks) وبما ان اغلب وقت المعالج يقضيه في انتظار اوامر اخرى (كحالك وانت تقرأ هذا النص مثلاً. اللهم الا في حالة كنت تجري محاكاة لمسار مجرة درب التبانة لحظياً للقرن المقبل >_>) او ما تعرف بحالة السكون او الـ"idling"، لذا يمكن القول ان القيمة القصوى للقدرة التصميمة لا تساوي سوى بضع نسب مئوية من الاستهلاك الفعلي. مرة اخرى، هذا يعتمد على نمط استخدام الحاسب نفسه. على الجانب الاخر في شاشات الكريستال السائل، بما ان اغلب استهلاك القدرة يأتي من الاضاءة الخلفية، وبما ان حتى في ادنى صور استخداماها يجب على هذه الاضاءة العمل بكامل قدرتها، اذا يمكن القول انه ما دامت قيد الاستخدام، بغض النظر عن كيفية هذا الاستخدام، فإن هذه الشاشات تعمل بـ-تقريباً- كامل قدرتها التصميمية.

استهلاك وسائط التخزين للطاقة ليست عادة من الامور التي تؤخذ في الحسبان عند تحديد القدرة المطلوبة للحواسيب للعمل، لكنها تصبح ضرورية الاخذ في الاعتبار لظروف التشغيل التي تحتاج للاقتصاد في كل واط يصرف على الجهاز. وان كانت حتى في هذه الحالات قل التركيز عليها مع صعود اقراص الحالة الصلبة SSDs كخيارات مقبولة اقتصادياً يمكن استبدال الاقراص المغنطيسية التقليدية بها. هذه الاخيرة بإمكانها سحب ما قد يصل -ويتعدى- الـ10واط، بينما بإمكان الاولى العمل بربع هذه القيمة وبأداء افضل بمراحل عديدة. يجدر التنبيه الى ان استهلاك وسائط التخزين من الممكن ان يصبح عاملاً منافساً لبقية المكونات في حالة الانظمة متعددة الاقراص. بعض صور التخزين الاخرى قد تكون متطلبة اكثر للطاقة. فقارئات الاقراص الضوئية احتياجها يتراوح بين 15 الى 30 واط (حسب نوع الاقراص المستخدمة. القيم مجمعة من جولة بين عدة مواقع ومنتديات)، لكنها اضحت مكوناً ندر ان يوجد او يستخدم في الحواسيب هذا الزمان، لذا  من الممكن تجاهلها.


معايير قياس استهلاك الطاقة بالنسبة لمكونات الحاسب الشخصي موضوع قد يكون مثيراً لبعض من الجدل على الانترنت. اغلب المصنعين، تحديداً في حالات المعالجات الشخصية والبطاقات الرسومية- يميلون لتسويقها بناءا على الـTDP، او القدرة الحرارية التصميمية، وهي -حسب ابسط تفسير لأبسط بحث على قوقل- اقصى قيمة حرارية ينبغي لآلية تبريد ذاك المكون تبديدها، اي انها ليست مقياساً مباشراً لـ"كم" من القدرة الكهربائية سيحتاجها ذاك المكون للعمل. الجدال في هذا الموضوع عموماً لا يجد مشكلة في مساواة هذه القدرة الحرارية الناتجة بالقدرة الكهربية المطلوبة (نسبة لطريقة عمل الالكترونيات نفسها. عدم وجود اجزاء ميكانيكية متحركة فيها يعني انه لا يوجد تحويل للقدرة الكهربية الى ميكانيكية، وبالتالي يعني ان اغلب هذه القدرة تحولت لحرارية See footnote) لكن يجد مشكلة في آلية هذا القياس، حيث ان المصنّع يقوم بتحديد هذه القدرة فقط بناءاً على تجارب ضغط واقعية، اي بناءاً على تحليل للقدرة التي يطلبها\ينتجها المعالج عند تشغيله لبرامج يقوم المستخدم باستخدامها والاستفادة منها، وليست برامج ضغط اصطناعي لا هدف لها سوى ايصال ذاك المعالج الى اقصى حدود طاقته كحال برامج الـStress Testing مثل Prime95 و Furmark. شخصياً انا لا ارى مشكلة في آلية القياس تلك، ففي اخر المطاف، القيم المبنية على ظروف تشغيل واقعية هي ما تهم، اما من سيخلق ظروف تشغيل متطرفة امثال الاوفركلوكرز المحترفين فهم بالفعل يقومون بالمبالغة في تقييم متطلبات التشغيل، لذا من الممكن استثنائهم عند تحديد مدى "طبيعية" ظروف الاختبار.
هنا ايضاً يجب ان نذكر ان معالجات الحواسيب المركزية لا تعمل بنفس الاداء -وبالتالي قدرة التشغيل- طول فترة تشغيلها. بالتالي فإن الـTDP، ان شئنا استخدامه، لا يمثل سوى اقصى قيمة تشغيلية -طبيعية- تحدث فقط لحظياً. بينما ان التشغيل المتوسط على مدة زمنية مطولة، ما يهمنا عند تحديد كمية الطاقة الكهربية التي ستمد للحاسب ككل، سيكون اقل بكثير من مجموع الـTDPs لمكونات الحاسب تحت السؤال. "طبيعية" المذكورة اعلاه نفسها موضوع جدال، فقد لا يستخدم المصنع برامج تتخطى الحدود مثل برامج الضغط المذكورة اعلاه، لكنها ايضاً لا تقف في استخدامات بسيطة مثل تصفح الانترنت او تشغيل فيديو. اضف الى ذاك الحوجة الى تعميم قيمة الـTDP على جميع المعالجات من نفس الموديل، فنسبة لطريقة تصنيع هذه المعالجات، قلما تجد شريحتين تتفقان في جميع المواصفات، لذا قد تجد شريحة i7 920 قياسها الفعلي 90 وات، واخرى قيساها 100 (قيم شبه-عشوائية)، لذا سيأخذ المصنع القيمة الاعلى ويضع معامل امان ويسوق شرائح الـ920 كلها بقدرة حرارية تصميمية 130 واط.

ختاماً لهذا المقال وجب ان انبه لأن القدرات المذكورة للمكونات اعلاه صحيحة فقط وفقط داخل جهاز الحاسب نفسه، ومجموعها ليس هو نفس القدرة التي ستقاس من مصدر الطاقة (القابس على الحائط، غالباً). فاقد التحويل من تيار متردد الى ثابت في وحدات تزويد الطاقة (أو "الادابتر" في حالة اللابتوبس) من الممكن ان يصل الى 20% من القدرة المسحوبة في حالة المزودات الرخيصة، مع الاخذ في الاعتبار ان استخدامي لـ"رخيصة" هنا لا يزال يشترط كون الوحدة حائزة على ترخيص الـ80plus، امر ربما لن تجده في اي من تلك المزودات الـ"تجارية" (حسب التسمية الشائعة) المنتشرة في الاسواق. لكن حتى تلك ال20% المفقودة قد لا تجعل من ذاك الحاسب المكتبي البسيط بلاعة للكهرباء. اي نعم، من الممكن ان تجد حاسباً مكتبياً بوحدات تزويد طاقة تصل الى 2000 واط (~ 2128 واط من المصدر. غالباً ستحتاج لوصله بقاطع تيار منفصل عن الثلاجة والمكيف) الا انها لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من مجموع الحواسيب الكلي. وبناء رأي عن صرف الكل فقط من صرف هذه العينة لا يختلف كثيراً من القول ان السرعة القصوى لسيارات الـFormula1 هي تلك التي يجب قياس جميع ما يتعلق بالسيارات عليها. 

Footnote: موضوع حساب كفاءة تحويل القدرة الكهربية الى حرارية في المعالجات موضوع -حسب ما استنتجت من قضاء عدة ساعات فيه- معقد بعض الشيء. ان افترضنا ان القدرة اما كهربية، ميكانيكية او حرارية فهذا يعني ان كفاءة تحويل المعالج = 100% نسبة لعدم وجود اي حركة ميكانيكية في الموضوع. لكن بديهياً هذا مستحيل، نسبة لأنه لا توجد كفاءة تساوي الوحدة، ولأن هنالك فائدة من هذا المعالج وهي العملية الحسابية نفسها. لذا فغالباً ينبغي تطبيق نموذج بإمكانه اخذ ذاك الاخير في الاعتبار للوصول الى الكفاءة الفعلية لتلك المعالجات. شخصياً لست بضليع في الفيزياء بل بالكاد املك حد الكفاف فيها، لذا ان كنت تقرأ هذه السطور وتملك اجابة على هذه التساؤلات فضلاً، شاركنا بها! الى ذاك الوقت، سأكتفي بتعميم ان العلاقة بين القدرتين الحرارية والكهربية في هذا الموضوع تقارب التساوي لدرجة يمكن افتراضها كذلك بالفعل. التجربة العملية (مقارنة الـTDP لعدة معالجات بالاستهلاك الفعلي لطاقتها) لا تخالف ذلك، اذاً، لم لا؟


Image by Hans Haase, Wikimedia Commons